الاستقلال والحرية لتركستان الشرقية

 

E-Mail

 

 شبكة الأخبار العالمية الأيغورية

2002

|    الوطن     |    أسيا الوسطى    |    العالم الإسلامي   |    العالم     |

تصدر عن مركز تركستان الشرقية للمعلومات

 
   
 

(تحليل سياسي بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لثورة بارين الخالدة)

بقلم : فرحات محمدي

      تحل اليوم (4أبريل)  الذكري الثانية عشرة لثورة بارين الخالدة التي وقعت عام 1990م في قرية بارين ببلدة آقتو في ولاية كاشغر بتركستان الشرقية. وعلى الرغم من مرور 12 سنة على تلك الثورة الخالدة فان الشعب التركستاني يحتفل بتلك المناسبة بصفتها تمثل رمز حركة الاستقلال الأيغورية ودليلا دامغا على السياسة الفاشية لسلطات الاحتلال الصيني تجاه الأيغور. ويتفق المحللون السياسيون الأيغور والأجانب على حد سواء أن ثورة بارين تمثل نقطة انطلاق شرارة حركة الاستقلال الأيغورية منذ بداية التسعينيات وأنها قد لعبت دورا هاما في تقوية مسيرة الجماعات الايغورية في الداخل والخارج، كما أنها فتحت الطريق أمام صحوة الايغور بعد غفوة طويلة. وقد تشكلت في أعقاب ثورة بارين في اللغة الايغورية كلمة جديدة ذات مغزى عميق حيث أنه فيما كانت كلمة بارين تشير في السابق إلى اسم مكان ما فإنها غدت من الآن فصاعدا تعني الثورة والكفاح والنضال من أجل الحرية. كما أن زيدين يوسف قائد ثورة بارين قد أصبح بطلا قوميا لدي الأيغور حيث كتبت له الأشعار والقصائد التي تمجده.

    وتثبت الأحداث التي وقعت بعد ثورة بارين مدي عمق حب الأيغور ودعمهم لتلك الثورة إلى درجة أنه اصبح المتسولون الذين يتسولون في مناطق مختلفة من تركستان الشرقية يستغلون اسم بارين في مهنتهم.

    وإذا حاولنا تحليل الأسباب والدوافع التي أدت إلى قيام ثورة بارين نجد أنه مرتبط ارتباطا مباشرا بالفقر والبؤس غير العاديان الذي يعيش فيه الفلاحون الأيغور بالإضافة  إلى الضرائب والإتاوات وكذلك الضغوط الدينية الشديدة عليهم.

    وأود التذكير هنا أنني كنت خلال فترة ثورة بارين مراسلا للشؤون السياسية في إذاعة صوت سنجيانغ (تركستان الشرقية) وفي نفس الوقت اختارتني الحكومة مسؤولا عن الدعاية الإعلامية لحادثة بارين. وخلال تلك الفترة استطعت التعارف مع شعب بارين عن قرب، كما حصلت على فرصة مراقبة معالجة الحكومة لحادثة بارين.

     وقرية بارين تقع في بلدة آقتو التابعة لمنطقة قزيلسو المدارة مركزيا وهي من المناطق التي يشكل فيها الأيغور غالبية السكان. وحسب إحصائيات الدوائر الصينية يبلغ العدد الإجمالي لسكان آقتو 152ألف نسمة يشكل مختلف القوميات منها 135ألف نسمة. ويبلغ عدد سكان قرية بارين نفسها 10 آلاف نسمة تتشكل كلها من الايغور وهي تدخل ضمن أفقر المناطق التي أعلنتها السلطات الصينية والبالغة عددها إحدى عشر بلدة في تركستان الشرقية . و يرجع السبب في ذلك  إلى أن قرية بارين مناخها جاف والأراضي الصالحة للزراعة قليلة في حين أن الأيدي العاملة كثيرة. ورغم أن القرية قد صنفت ضمن أفقر المناطق المستحقة لمساعدات الحكومة إلا أنها قد أهملت تماما حيث حرمت من تلك المساعدات. وفضلا عن ذلك فان تلك القرية فرضت عليها ضرائب مساوية للمناطق غير الفقيرة حيث يضطر أهاليها إلى العمل مجانا للحكومة لمدة شهرين في السنة هذا غير أكثر من 20 نوعا من أنواع الضرائب التي فرضت عليها. وتفيد نفس الإحصائيات أنه منذ وقوع أحداث بارين عام 1990م فانه لم يطرأ أي تغيير في الدخل السنوي للفرد في القرية حيث لم يتجاوز 200ين صيني سنويا.

     ويعيش معظم أهالي تلك القرية على المساعدات الغذائية التي تقدمها الحكومة لهم حيث عرضت القنوات التلفزيونية في ذلك الوقت مشاهد يندي له الجبين من بشاعتها حيث الفقر والبؤس وحتى الفتيات لا يوجد لهن من الملابس ما يستر أجسامهن غير الملابس الممزقة. ويرجع السبب في عدم وجود مستوطنين صينيين فيها إلى صعوبة الحياة المعيشية في تلك القرية. وقد أدى عدم وجود تأثير للمستوطنين فيها بالسلطات إلى فرض مضايقات على تحركات الأهالي حيث  تعرضوا لمراقبة صارمة في سائر الميادين السياسية والاجتماعية وحتى في الشعائر الدينية العادية حيث منعوا من مجرد ممارسة عباداتهم اليومية . وأسهمت تلك الحالة التي دامت مدة طويلة في إثارة  وازدياد مشاعر العداء ضد الحكم الصيني.

    وحسب بعض المصادر في تركستان الشرقية فانه على الرغم من قيام شعب بارين بسبع ثورات منذ عام 1949م للمطالبة بحقه في الحياة كبقية الشعوب إلا أن السلطات الصينية وبدلا من الاستجابة لتلك المطالب المشروعة قامت بقمعهم واعتقالهم عقب كل ثورة. وقد أثارت تلك الممارسات الصينية حفيظة شعب بارين حيث تشكل لديه شعور عميق بالعداء ورغبة بالانتقام لشهدائه الذين سقطوا في تلك الثورات.

    وبحلول الثمانينات تشكلت في بارين جماعة "حزب تركستان الشرقية الإسلامي" بقيادة زيدين يوسف بشكل سري حيث قرر الحزب القيام بثورة شاملة ضد الحكم الصيني. وقد اشتمل النظام التأسيسى للحزب "على طرد الصينيين من تركستان الشرقية وإنشاء دولة مستقلة". ومن أجل ذلك قام الحزب بتوسيع دائرة نشاطاته إلى المناطق الجنوبية من تركستان الشرقية وتحريض الشعب على القيام بتحرك ضد الاحتلال، كما قام بتجهيز أسلحة لإنشاء قوة مسلحة للمقاومة. وتعتبر حركة بارين من حيث التجهيزات والإمكانيات أبرز حركات التحرير التي عرفتها تركستان الشرقية منذ عدة عقود. وقد استمرت التحركات السرية للحزب حتى 4إبريل / نيسان من عام 1990م. ووفقا لما نشرته الصحف الصينية في ذلك الوقت فان أخبار تلك التحركات قد وصلت إلى مسامع السلطات الصينية قبل وقوع الثورة حيث أرسلت فريقا لاستطلاع الوضع في البلدة وأتبعتها بإرسال فرقة تقوية من الجيش الشعبي. وعندما علم المجاهدون في بارين بقيادة زيدين يوسف بأن خطتهم قد اكتشفت قاموا بالمبادرة إلى التحرك في 5 أبريل/ نيسان حيث شنوا هجوما على القوات الصينية وحاصروا مبنى الحكومة في البلدة بمشاركة 5000آلاف من عامة الشعب. ورغم استشهاد قائد الثورة زيدين يوسف وعدد من رفاقه  في ميدان المعركة إلا أن الثورة استمرت لعدة أيام. ومع الأسف العميق فانه كان من المستحيل أن ينتصر هؤلاء الفلاحون الذين لم يكونوا يحملون في أيديهم سوى السيوف والبنادق القديمة وآلات الزراعة في مواجهة الجيش الشعبي الصيني المسلح بأحدث الأسلحة الفتاكة. وعلى الرغم من ذلك فقد أبدى شعب بارين مقاومة بطولية حيث استمرت المعارك حتى يوم 8أبريل/نيسان واستطاعت مجموعة منهم فك الحصار التي فرضته القوات الصينية و لجأت إلى الجبال الممتدة على الحدود مع قيرغزيا إلا أن القوات الصينية طاردتهم هناك حيث نشب قتال عنيف بين الجانبين. وقد استشهد في تلك المعركة معظم الشبان المجاهدين بالإضافة إلى مترجم ايغوري ويدعى عادل كان يحاول دعوة المجاهدين إلى الاستسلام، كما قتل حسب المصادر الصينية ستة من الجنود الصينيين.

     وعقب إخماد ثورة بارين قامت السلطات الصينية وتحت شعار " مطاردة فلول الانفصاليين" بحملة اعتقالات شاملة في جميع أرجاء تركستان الشرقية حيث أرسلت فرق كبيرة من الجيش الصيني إلى مناطق آقتو وكاشغر وخوتان وأقامت حواجز على الطرق لتوقيف السيارات المارة وتفتيش ركابها. ومن جهة أخري عزلت منطقة بارين عن بقية أرجاء تركستان الشرقية حيث أقامت حواجز على الطرق المؤدية إليها ومنعت الدخول والخروج منها. ولذلك لم يستطع أهالي المناطق الجنوبية والشمالية من تركستان الشرقية الإحاطة علما بما جري في بارين إلا بعد مرور عدة أشهر عليها.

     وحسب بعض المصادر الموثوقة فانه قد تم اعتقال ما يقارب من 3آلاف ايغوري في جميع أرجاء تركستان الشرقية خلال عامين من وقوع ثورة بارين وذلك بدعوى أنهم شاركوا في تلك الثورة أو تعاطفوا معها أو أخفوا الهاربين. كما تم إعدام 200 شخص بنفس التهم.

     هذا وبالإضافة إلى ذلك قامت السلطات الصينية بحملة سياسية شاملة في كافة مناطق البلاد وأجبرت الموظفين والمدرسين والأساتذة والطلبة وكافة طبقات المجتمع على تحديد مواقفهم من تلك الثورة بشكل واضح. وقد فرضت عقوبات تأديبية على الذين عبروا عن مواقفهم وأبدوا تعاطفا مع شعب بارين. كما أقامت السلطات "معرضا عن أحداث بارين" في اورومجي حيث شارك فيها بالإكراه كافة الموظفين والعمال في جميع الساحات. وقد اشتمل المعرض على صور فوتوغرافية لشباب ايغور تتراوح أعمارهم بين سن السادسة عشر والثلاثين وصفوا بأنهم من الثوار. كما اشتمل المعرض على ما وصف بأسلحة الانفصاليين حيث عرضت فيها قنابل يدوية الصنع وأسلحة بدائية وآلات زراعية. ولقد كشف المعرض بوضوح أسباب ودوافع ثورة بارين وذلك أن الصور التي عرضت في المعرض كانت تدل على شعب لم يبق له في الدنيا شيء سوى التعلق بالآخرة. وعلى الرغم من أن أسباب ودوافع ثورة بارين هي الفقر والبؤس الشديدين إلا أن السلطات الصينية لم تتعظ من ذلك حيث مازال شعب بارين يعيش في حالة فقر وبؤس. كما أنه وعلى الرغم من ادعاء السلطات الصينية عقب الثورة بأنه سوف يتم رفع مستوى المعيشة في بارين إلا أن المساعدات التي قدمتها اقتصرت على الناحية السياسية فقط.

     فعلى سبيل المثال: جاء في مقال نشرته صحيفة "شنجيانغ كزيتي" المملوكة للحزب الشيوعي في عددها الصادر في 18/1/1995م أن السلطات قد قدمت لبارين منذ قيام الثورة مبلغ 400ألف ين صيني "ما يعادل 40ألف دولار أمريكي" حيث تم إنشاء مباني للحزب في 14قرية في منطقة آقتو، كما تم تأمين 90 في المائة من الأهالي بمكبرات الصوت للاستماع إلى مواعظ وسياسات الحزب الشيوعي التي تتلى عليهم من المباني الحكومية. وكذلك ارتفع دخل الفرد السنوي في البلدة إلى 550ين صيني. وتفيد آخر الإحصائيات أن دخل الفرد السنوى في بارين يصل حاليا إلى 700 ين صيني مما يعني أن بارين مازالت من أفقر المناطق على مستوى تركستان الشرقية.

     وتؤدي سياسة القمع والبطش التي تمارسها السلطات ضد شعب بارين إلى تصاعد الصحوة القومية لدي شعب بارين. فعلى سبيل المثال: قام في شهر فبراير من العام الماضي مجموعة من المجاهدين بقتل المدعو محمد جان وهو عضو سابق بمحكمة في بلدة توققوزاق بولاية كاشغر، كما تم في نفس العملية  إصابة زوجته التي تعمل موظفة في "هيئة تحديد النسل". وبعدها مباشرة نشبت معركة بين أفراد الأمن الصينيين ومجموعة من المجاهدين الأيغور قتل فيها ضابط صيني وأصيب عدة جنود آخرين بجروح.

     وحسب الأنباء الواردة بهذا الصدد فان المدعو محمد جان الذي تم قتله كان عضوا في هيئة المحلفين في محكمة خاصة تشكلت عقب ثورة بارين وحاكمت المجاهدين حيث أصدرت تلك المحكمة حكما بالإعدام على 26ايغوريا. ولذلك قرر المجاهدون الانتقام لرفاقهم وقتلوا محمد جان.

     وعلى الرغم من مرور 12عاما على أحداث ثورة بارين إلا أن تلك الثورة سوف تعيش في قلوب شعبنا إلى الأبد ولن ينسى شعب تركستان الشرقية ابنه البطل المجاهد الهمام زيدين يوسف ورفاقه الأبطال.